الإحتفالات بيوم عاشوراء


رغم رحيل الدولة الفاطمية و اضمحلالها من التراب التونسي منذ قرون خلت و إنحسار المذهب الشيعي أمام انتشار المذهبين المالكي و الحنفي، إلا أن المظاهر الشيعية بقي البعض منها راسخا في الذاكرة الشعبية، يتجلى ذلك واضحا في الإحتفالات بيوم عاشوراء و في ملابس النسوة المتمثلة في الأردية السوداء، و تسمى ملحفة ترتديها النسوة في الحامة و جهة نفزاوة كذلك في مدينة قفصة و بلاد الجريد كما نراها لدى النساء العراقيات و الإيرانيات و ربما يعود هذا الرّداء الأسود للعقود الماضية عندما انتشر المذهب الإباضي من جبال نفوسة إلى الجنوب الجزائري . و الاحتفالات بيوم عاشوراء في مدينة الحامة و قراها تبدأ مع ظهور هلال شهر محرّم، فيشرع الصبيان و الشباب في التحضير للإحتفال تتشكل و مجموعات في كل الأحياء لجلب الحطب و معظمه من القش، يتوزعون عبر مسالك الواحة يشكلون من جريد النخيل بعد ربطه ببعضه البعض عربة تسمى "كارطون", يتسللون للبساتين لجمع ما جف من الجريد و "الليف"، يضعونها فوق "الكارطون" ثم يسحبونه جماعيا في مرح طفولي مرددين:

حاج بڨاج...الله ...الله
مجموعة تقول :  حاج بڨاج
فتجيبها المجموعة الأخرى :  الله...الله

تتكرّر هذه "الخرجة" للواحة عدة أيام، يأخذ الحطب و القش شكل كوم كبير في بطحاء الحي يظل تحت حراسة الأطفال و الشباب ليلا نهارا خوفا من اتلافه و سرقته من طرف أطفال حي آخر و هي عادة كثيرا ما تقع بين الأطفال فتنشب معارك بالحجارة. و في آخر يوم من أيام جمع الحطب من الواحة كل طفل يقطع جريدة و يختارها من أطول الجريد، ينزع سعفها و يترك في ذروتها بعض السعفات، فتصبح عصا طويلة مثل الرّمح تسمى " زغاية دابو".
في يوم عاشوراء تستيقظ ربات البيوت باكرا لطهي الفول المنقع في ماء الغدير لمدة ساعات و يُضاف إليه الملح و الكركم، في الأثناء يتم سلق البيض و قد جفت صباغته. و عند إنتهاء الطّهي يجتمع أفراد الأسرة لتناول حبات الفول المطعمة بمسحوق الكمون، في الأثناء تبدأ زيارات الأقارب لتبادل الأطعمة.
يغادر الرّجال خارج المنازل, فمنهم من يقصد السوق لشراء الخضر و لحم الموسم من القصابين، و معظم الرّجال يتوغلون داخل الواحة لنحر الإبل و تقسيها "حسّابة" فيتم توزيع المنابات بالقرعة.
في الصباح يبدأ الصبيان الطواف في الأحياء في مجموعات حاملين قفة لتجميع الهبات من الفول و البيض مردّدين:

دابّويَا دابـُو ....... فنطازية دابـو
هذي دار سيدنا... تـُطعُمْنا وتزيدنا
هذي دار بو بشير... فيها القمح والشعير
هذي دار بو ركبة.... فيها القمح للرّكبة

بعد الطواف في أزقة الحي, يقصد الأطفال البطحاء أين شكل الحطب و القش كوما. يأكلون جماعيا ما ظفروا به من فول و بيض ثم يتفرقون. و مع حلول المغرب يتجمعون من جديد كل فرد منهم يحمل " الزغاية" في يده ينطلقون للطواف من جديد على المنازل مرددين كالعادة: دابُويا دابوا....فنطازية دابو محدثين ايقاعا موحدا بالجريدة. و عندما يُوصد في وجوههم باب من الأبواب و لا يظفرون بشيء من الطعام يقولون في شكل غضب جماعي دفعة واحدة:

الرّحى معلقة ... والمرا مطلقة.  ثم يفرّون

و هذه الكلمات الإستفزازية تقابلها كلمات شبيهة بها في جهة نفزاوة

هذي دار بن نقبان... فيها القمل والسّيبانْ

و في جهة مطماطة القريبة من تراب الحامة تأخذ هذه الكلمات الإستفزازية شكلا آخر من أشكال التهديد و الوعيد باستدعاء الغولة:

أعطيني عاشورتِي ..... ولا انْحرّشْ غـُولتِي
غولتي المُخنانة ......... ساكنة الجّبانة

و في طواف الأطفال ليلا تتجمع لديهم الأطعمة بلحومها فيجلسون قرب كوم الحطب يشعلون نار السّامور، يتناولون الأطعمة بسرعة ثم يبدؤون القفز وسط ألسنة النار الملتهبة و المرتفعة عن سطح الأرض ثم يجلسون و يتبادلون الحكايات و الخرافات و الألغاز.

أما البنات لهن نصيب من الإحتفال بعاشوراء، فقبل أيام من يوم الإحتفال تقطع كل بنت عصى من جريد النخيل طولها تقريبا 05 ستنتمتر، يُشق رأسها قاطع و مقطوع لتوضع فيه شحمة تشتعل مثل الفتيل للطواف بها ليلا على المنازل مثلهنّ مثل الذكور مردّدات: 

يا ريم ريميا...........يا عين مذبله
مرڨنا على المرتوم....والصّيد فيه يزوم
يا لابسة المنظوم......قومي ألعبي هيّا
مرڨنا على تونس........بيبانها تنعسْ
يا ڨلب يا مونس.........فارڨت أهليَا

و هذه قطعة أخرى تقول:

يا ناڨة لمراسْ يا خد النجمة الفريدة
سايقها ترّاسْ ساري وبلاده بعيده
الله يرحم من مات وخلى بنته غريبه
عكسوها السّلفات والعمّة نارها لهيبه

أما «البراشة» الأخيرة فيعود تاريخها إلى فترة حكم صولة بن سعيد ڨليد نجع بني زيد في القرن الثامن عشر ميلادي تقول كلماتها:

حطينا في الحميلة......وعشبها كيف النيلة
صولة بمراحيله........يرحل عقاب الليل
حطينا في الحلافي....يا كُحيلةْ مناشْ تخافي؟
صولة حكمه وافي.... يحكم على النجعين
درّي يا عين............ نجع البّادِي وين؟

ملاحظة: هذا «البراش» أوردته رغم ضعف كلماته حفاظا مني على الذاكرة  و ما خزنته لعقود خلت.



بقلم :  رمضان لطيفي