الأدب الشعبي


يعرف الأدب الشعبي على أنّه انتاج قولي يرتكز على مقوّمات عدّة إن لم تتوفّر كلها فجلّها يكفي لتحديد مفهوم هذا الجنس من الأدب .. وهي : اللغة العاميّة ولا يعني أن شعر العامّية برمّته أو الشعر الملحون هو بالضرورة شعر شعبي لأنّ الشعر الملحون قد يُعبّر عن مزاج قائله المتفرّد و عن ذاته و تجربته الشخصية بينما يعكس مضمون الشعر الشعبي التجربة الجمعية و الأحاسيس العامة ، فالمحتوى الثقافي المعبّر عن قيم الجماعة و العاكس لخصوصياتها هو من بين مقوّمات هذا الأدب و كذا تداوله الشفهي  و توارثه في صُلب الجماعة من السلف إلى الخلف و هذا لا ينفي في مرحلة لاحقة إمكانيّة تدوينه في لغته الأصلية مع احترام الفروق المنهجيّة . ومن بين المقوّمات كذلك مجهولية المؤلف و إذ أنّه من البديهي أن لكل أثر أدبي مؤلفا ففي هذا السياق تصهر شخصية المبدع في الشخصية الجمعية إلى درجة أنه بعد فترة قد تطول أو تقصر يُصبح المؤلف الأصلي للنص مجهولا ، و يكون هذا النص .. الذي يبدو  في ظاهره قارا و ثابتا .. قليلا لأن تُعاد صياغته صياغة جديدة كلما وقع إلقاؤه ووفقا لمؤهلات الراوي و نبوغه . وهذا يهم خاصة الأدب السردي ، فلما تروي الجدة حكاية خرافية فهي تفعل ذلك حسب ملكتها الفنية الفطرية و درتها على السرد ، إنّها لا تؤلف بل تنقل ما حفظته من غيرها مع احترام أصول السرد و قوانينه ، فلزاما عليها أن تكون مستوعبة للمعطيات الفنية المتاحة في تراث الجماعة التي تنتمي إليها وأنّ تعرف ضمنيّا البناء القصصي التي هي بصدده و أن تتبع سُننا ومراسيم مضبوطة بصفة عُرفيّة . و بهذه الطريقة تكتمل عندها الكفاءة التي تؤهّلها لسرد القصص و التي تتجلّى في مختلف المستويات اللغوية و البنيوية و الدلالية و التمثيلية ، و إن وجدت عملية إبداع ، فإنّما تحصل من نجاعة الإيصال و الإبلاغ...
ومن بين الأوائل الذين اهتموا في تونس بتدوين هذه المادة الطاهر الخميري الذي أصدر كتابا نشر فيه ما حفظه و ما تسنّى له جمعه من الأمثال وقد أدرك هذا المفكّر إحدى خصائص هذا الجنس من الأدب الشعبي و نعني المتغيّرات التي تطرأ على الأثر الشفوي عند تداوله إذ  يقول في مقدّمة كتابه " يختلف معنى المثل باختلاف المتكلّم و المخاطب و الظروف التي يقال فيها و أنواع الحذف و التقدير و الأمر"

مقتطفات من كتاب " مقولات في التراث الشعبي " لناصر البقلوطي